في قلب المحيط المتجمد الشمالي، حيث الجليد يغطي المياه والأجواء باردة قاسية، يعيش كائن بحري فريد يتميز بجمال خاص وشخصية هادئة.
إنه عجل البحر الملتحي “Bearded seal” هذا المخلوق المدهش، بشواربه الكثيفة التي تشبه اللحية، يثير فضول العلماء وعشاق الطبيعة على حد سواء.
في هذا المقال، سننطلق في رحلة استكشافية إلى عالم عجل البحر الملتحي، نتعرف على خصائصه وسلوكه ودورة حياته.
الاسم العلمي | Erignathus barbatus |
الأسماء الشائعة | عجل البحر الملتحي، الفقمة الملتحية، الفقمة ذات الزعانف المربعة |
الفصيلة | الفقمات الحقيقية |
الموطن | القطب الشمالي |
حالة الحفظ | أقل إثارة للقلق |
محتويات
موطن عجل البحر الملتحي
ينتمي عجل البحر الملتحي إلى فصيلة الفقمات الحقيقية ورتبة زعنفيات الأقدام، ويشير اسمها إلى شواربها الكثيفة والبارزة التي تعطيها مظهراً مميزاً.
وتنتشر هذه الفقمة في المناطق القطبية الشمالية وشبه القطبية، ففي المحيط الهادئ تمتد من بحر تشوكشي شمالاً إلى بحر بيرينغ جنوباً.
وتشمل سواحل ألاسكا وروسيا وشمال اليابان. بينما في المحيط المتجمد الشمالي توجد على طول سواحل روسيا والنرويج وكندا وألاسكا، بما في ذلك أرخبيل سفالبارد وأرخبيل القطب الشمالي الكندي.
وأما في المحيط الأطلسي فتتواجد على طول سواحل أيسلندا وجرينلاند والبر الرئيسي الكندي وصولاً إلى لابرادور.
ورغم أن انتشارها يقتصر عادةً على المناطق شبه القطبية، فقد شوهدت أيضاً في مناطق أبعد جنوباً مثل اليابان والصين وأجزاء من أوروبا كألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرتغال. [1]
البيئة
يفضل عجل البحر الملتحي العيش في مياه القطب الشمالي الضحلة (عمق أقل من 200 متر) والمناطق الجليدية الكثيفة.
حيث تعتمد على الجليد العائم للراحة والتنقل لمسافات طويلة، مما يجعل هجرتها موسمية تتبع تحركات الجليد: جنوباً في الشتاء وشمالاً في الصيف.
وتتجنب هذه الفقمة المناطق التي تنتشر فيها حيوانات الفظ، وتميل إلى اصطياد فرائسها في المياه الضحلة بالقرب من الجليد.
ورغم اعتمادها الرئيسي على الجليد، فإنها قد تسحب فرائسها إلى البر أو الشواطئ الحصوية في الصيف عندما يصبح الجليد نادراً.
وتعد هذه السلوكيات تكيفاً فريداً مع بيئتها القاسية، مما يُبرز دور الجليد العائم كعنصر حيوي في بقائها. [2]
شكل عجل البحر الملتحي
- هناك نوعان فرعيان معترف بهما من هذه الفقمة: عجول البحر الشرقية والغربية.
- تتميز بزعانف أمامية مربعة الشكل وشعيرات سميكة على خطمها.
- تعد أكبر الفقمات الشمالية، وتعتبر الإناث أكبر حجماً من الذكور.
- يتراوح طولها بين 2.1 – 2.7 متر، و وزنها بين 200 – 430 كجم.
- يبدو رأسها صغيراً نسبياً مقارنة بجسمها الطويل.
- يكون لون البالغين بني رمادي (أغمق على الظهر)، ونادراً ما تظهر بقع باهتة أو داكنة.
- تولد الصغار بفراء بني رمادي مع بقع بيضاء متناثرة على الظهر والرأس.
- تمتلك زوجين من الحلمات، وهي سمة تشترك فيها فقط مع فقمة الراهب.
- يحتوي جسمها على نسبة عالية من الدهون تتراوح بين 25 – 40%.
- يساعدها فراؤها ودهونها على البقاء في الظروف القاسية للقطب الشمالي.
سلوك عجل البحر الملتحي
عجل البحر الملتحي حيوان منعزل يفضل العيش منفرد على كتل الجليد، حتى في المناطق المزدحمة.
وينشط نهاراً للبحث عن الطعام في البحار الشمالية الضحلة بالمحيط الأطلسي، ويتميز بذكائه في مراقبة المفترسات أثناء وجوده على الجليد.
وخلال موسم التكاثر، تُظهر سلوكاً إقليمياً، حيث يقضي الذكور وقتاً أطول على الجليد ويطلقون أصواتاً عالية لجذب الإناث أو تحذير المنافسين.
وقد يتنافسون بالقتال أحياناً للحصول على الإناث، وتبلغ مساحة أراضي الذكور خلال موسم التكاثر من 0.27 – 12.5 كيلومتر مربع. [2]
التواصل
يعتبر ذكر عجل البحر الملتحي من أكثر الكائنات البحرية التي تمتلك العديد من الأصوات، خاصة خلال موسم التكاثر في الربيع.
حيث يطلق الذكر أغاني قصيرة (لا تتجاوز الدقيقة) تجمع بين الإيقاع الرتيب والتناغم الغريب، تتخللها أصوات كالتغريد والهمهمات والفرقعة.
وأثناء أداء الأغنية، يقوم الذكر بالغوص في حركة دائرية بطيئة مع إطلاق فقاعات، ثم يعود إلى السطح.
ويعتقد أن هذا السلوك جزء من طقوس المغازلة أو تحديد مناطق التكاثر.
غذاء عجل البحر الملتحي
يتغذى عجل البحر الملتحي بشكل رئيسي على الكائنات الصغيرة في قاع المحيط، مثل المحار والحبار والأسماك، مستخدماً شواربه الحساسة للبحث عن الفريسة في الرواسب الطينية.
وتشمل وجباتها الصيفية اللافقاريات كشقائق النعمان وديدان البحر، بالإضافة إلى الأسماك والأخطبوط، التي تعد أكبر فرائسها.
وتتميز هذه الفقمة بمرونة في الصيد، حيث تستهدف الأسماك القاعية والسطحية على حد سواء.
ويفضل البالغون المناطق الساحلية الضحلة (حتى 300 متر)، بينما تغامر الصغار بالغوص إلى أعماق تصل لـ 450 متراً. [2]
المفترسات
تتعرض عجول البحر لخطر افتراس من قِبل الدببة القطبية والحيتان القاتلة، حيث تنتظر الدببة بالقرب من فتحات تنفس الفقمة تحت الجليد لتنقض عليها عند ظهورها.
ولكن الفقمة تطورت لتحفر فتحات تنفسها تحت قُباب جليدية، مما يصعب على الدببة تحديد موقعها.
أما الحيتان القاتلة، فعادةً ما تأكل الفقمة عند توفر الفرصة دون مطاردة نشطة.
وتضاف إلى هذه التهديدات افتراس صغار الفقمة أحياناً من حيوانات الفظ، بالإضافة إلى الصيد المحدود من قِبَل بعض المجتمعات الأصلية في ألاسكا وكندا.
حيث تشكل مصدراً غذائياً رئيسياً لسكان الإنويت في القطب الشمالي.
ويستخدم الإنويت جلدها القوي لصنع الأحذية والسياط وأغطية القوارب والخيام، بينما يستخدم دهنها للإنارة والطعام.
تكاثر عجل البحر الملتحي
يتزاوج الذكور مع أكثر من أنثى خلال موسم التكاثر الذي يحدث بين شهري مارس ويونيو، مع ذروة النشاط في مايو.
وبعد التزاوج، يغادر الذكور ولا يقدمون أي رعاية للصغار، ولا تقيم الفقمات روابط طويلة الأمد مع شركائها.
وأحياناً يتنافس الذكور على الإناث، وقد يستخدمون الغناء كجزء من طقوس المغازلة أو كتحذير إقليمي.
وتتكاثر عجول البحر الملتحية مرة واحدة سنوياً، وتلد الإناث صغيراً واحداً بعد فترة حمل طويلة تصل إلى 11 شهراً بسبب تأخر الزرع.
وتلد الإناث على الجليد بين مارس ومايو، ويزن الصغير حوالي 34 كجم عند الولادة. [2]
العناية بالصغار
تلد الإناث صغارها على كتل جليدية طافية صغيرة في المياه الضحلة، ويدخل الجراء الماء بعد ساعات فقط من الولادة.
حيث يصبحون غواصين ماهرين بسرعة، وتعتني الأمهات بالصغار لمدة 18 – 24 يوم، ولا تأكل خلال هذه الفترة حتى يتم فطام الصغار.
وتنمو الجراء بمعدل سريع، حيث تستهلك حوالي 8 لترات من الحليب يومياً وتصل إلى وزن 100 كجم عند الفطام.
ويكون لدى الجراء التي يتم فطامها في أواخر الصيف متسع من الوقت لتكوين طبقة دهنية قبل الشتاء.
وعادةً ما تبدأ دورة تزاوج جديدة مباشرة بعد فطام الصغار، وتصل الإناث إلى النضج الجنسي بين 3 – 8 سنوات، بينما ينضج الذكور بين 6 – 7 سنوات.
ومعظم عجول البحر الملتحية تعيش حتى 25 عاماً، لكن بعضها قد يعيش حتى 31 عاماً.
حالة حفظ عجل البحر الملتحي
على الرغم من أن عجول البحر الملتحية ليست مهددة بالانقراض حالياً وتصنف على أنها “أقل إثارة للقلق” من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
إلا أنها تواجه تحديات كبيرة مثل تدمير الموائل، والصيد الجائر لفرائسها، وتأثيرات تغير المناخ التي قد تقلل من الجليد البحري الضروري لبقائها.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل التهديدات المحتملة الصيد العرضي من قبل معدات الصيد التجارية.
لذلك، تعد مراقبة هذه الأنواع وتأثيرات النشاط البشري أمراً بالغ الأهمية لضمان استقرارها واستمرارها. [2]
الدور في النظام البيئي
يلعب عجل البحر الملتحي دوراً مهماً في النظام البيئي كحيوان مفترس رئيسي للرخويات والقشريات والأسماك والأخطبوطات.
وتتنافس مع أنواع زعنفيات الأقدام الأخرى على الغذاء، حيث تعتبر حيوانات الفظ منافسها الرئيسي.
بالإضافة إلى ذلك، تعد عجول البحر الملتحية فريسة ثانوية للدببة القطبية (التي تفضل الفقمة الحلقية كفريسة أساسية).
كما أنها تعد فريسة للحيتان القاتلة وحيوانات الفظ، مما يجعلها جزءاً حيوياً في السلسلة الغذائية البحرية.
وداعاً، أيها المخلوق الفريد
بعد هذه الجولة في عالم عجل البحر الملتحي، نأمل أن تكونوا قد تعرفتم على هذا الكائن المدهش.
ندعوكم لمشاركة آرائكم وتعليقاتكم في قسم التعليقات.