في عالم المحيطات الشاسع، تعيش مخلوقات بحرية عجيبة تثير الدهشة بخصائصها الفريدة.
ومن بين هذه المخلوقات، تبرز الفقمة المقنعة “Hooded seal”، أو الفقمة ذات القلنسوة كما تُعرف أيضاً، كأحد أغرب أنواع الفقمات في العالم.
في هذا المقال، سننطلق في رحلة استكشافية إلى عالم هذه الفقمة الغريبة، ونتعرف على خصائصها وسلوكها وحياتها.
الاسم العلمي | Cystophora cristata |
الأسماء الشائعة | الفقمة المقنعة، الفقمة ذات القلنسوة، عجل البحر ذو القبعة، فقمة الأنف المثانية |
الفصيلة | الفقمات الحقيقية |
الموطن | القطب الشمالي |
حالة الحفظ | معرض للخطر |
محتويات
موطن الفقمة المقنعة
تنتمي الفقمة المقنعة إلى فصيلة الفقمات الحقيقية ورتبة زعنفيات الأقدام، وتتواجد عموماً بين خطي عرض 47° و80° شمالاً.
على طول الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية وساحل النرويج، وتتركز حول جزيرة بير وأيسلندا وشمال شرق جرينلاند، وقد شوهدت نادراُ في سيبيريا.
وتُعرف هذه الفقمة بهجرتها لمسافات طويلة، حيث شوهدت في مناطق بعيدة مثل ألاسكا وجزر الكناري وجوادلوب.
وعادةً ما تبدأ هجرتها بعد تغيير فرائها، حيث تتفرق على نطاق واسع وتقوم برحلات طويلة إلى الشمال والجنوب في شمال الأطلسي خلال أشهر الخريف والشتاء قبل أن تجتمع مرة أخرى في الربيع. [1]
البيئة
تعيش الفقمة المقنعة في المناطق الساحلية للمحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي، وهي غواصة ماهرة تقضي معظم وقتها في الماء.
حيث تغوص عادةً إلى عمق 600 متر وقد تصل إلى 1000 متر.
أما على اليابسة، فتتواجد في المناطق ذات الغطاء الجليدي الكبير أو الكتل الجليدية، وتهاجر سنوياً بحثاً عن هذه البيئات الجليدية الطافية. [2]
شكل الفقمة المقنعة
- يبلغ طول الذكور 2.5 متر، والإناث 2.2 متر، ويزن الذكور 300 كجم، والإناث يصل وزنها إلى 160 كجم فقط.
- يكون الفراء أزرق رمادي مع بقع سوداء على الجسم، الأطراف صغيرة نسبياً لكنها قوية، مما يجعلها سباحة وغواصة ممتازة.
- يوجد كيس أنفي قابل للنفخ موجود على رأس الذكور فقط، وعندما تكون منكمشة، تتدلى القلنسوة فوق الشفة العليا للذكر.
- في الذكور الناضجين جنسياً، يخرج غشاء أنفي يشبه البالون الوردي من فتحة الأنف اليسرى لمساعدتها بشكل أكبر في جذب الإناث.
- تمتلك أكبر فتحات أنف من بين جميع الفقمات، والجمجمة قصيرة وذات خطم عريض.
- يكون لون الصغار فضياً على الجانب الظهري، بدون بقع، ورمادياً مزرقاً على الجانب البطني، وهو ما يفسر لقبها “الظهور الزرقاء”.
تجويف الأنف المميز
تمتلك الفقمة المقنعة تركيبان فريدان وكلاهما مرتبطان بالأنف، ولكن بطريقتين مختلفتين.
فالقلنسوة عبارة عن كيس أنفي قابل للنفخ موجود على رأس الذكور فقط.
وهي عبارة عن توسع لتجويف الأنف، تبدأ من فتحتي الأنف وتمتد على طول الجزء العلوي من الرأس حتى مقدمة الجمجمة.
وعندما تكون منكمشة، تتدلى القلنسوة فوق الشفة العليا للذكر، وعندما ينفخها الذكر، تنتفخ بشكل كبير وتشبه البالون أو القلنسوة، ومن هنا جاء اسم “الفقمة ذات القلنسوة”.
وهذه القلنسوة تُستخدم بشكل أساسي في العروض العدوانية للتنافس مع الذكور الآخرين خلال موسم التزاوج، وأيضاً لجذب الإناث.
بينما الحاجز الأنفي هذا أيضاً خاص بالذكور، وهو عبارة عن غشاء مخاطي أحمر اللون يقع داخل فتحة الأنف اليسرى.
ويستطيع الذكر نفخ هذا الحاجز بشكل مستقل عن القلنسوة، حيث يبرزه من فتحة أنفه كبالون أحمر صغير.
ويستخدم الذكر هذا الحاجز أيضاً في العروض الصوتية والبصرية، حيث يصدر أصواتاً مميزة أثناء نفخه. [2]
سلوك الفقمة المقنعة
تعيش الفقمة المقنعة حياة انفرادية، باستثناء فترتي التكاثر وتبديل الفراء، حيث تتوقف عن الأكل خلال هذه الفترة وتعتمد على مخزون الدهون لديها.
وتتجمع سنوياً في يوليو قرب مضيق الدنمارك لتبديل الفراء، ثم في مواقع أخرى للتكاثر.
وتميل الفقمة المقنعة إلى التغذية في المياه العميقة التي تتراوح من 100 – 600 متر، وتستغرق مدة غوص تتراوح من 5 – 25 دقيقة.
ومع ذلك، يمكن أن تصل بعض الغطسات إلى عمق أكبر من 1016 متراً وتصل إلى 52 دقيقة أو أكثر.
كما يمكنها الغوص بشكل مستمر إلى حد ما، حيث تقضي ما يقرب من 90٪ من وقتها مغمورة بالماء أثناء النهار والليل.
ولا تتنافس الفقمة المقنعة على مناطق أو تسلسل اجتماعي، وهي حيوانات مهاجرة تتبع نمط حركة سنوي للبقاء قرب الجليد الطافي. [1]
التواصل
تستطيع الفقمة المقنعة إصدار أصوات مسموعة على اليابسة كالزئير، حيث تنتج نبضات صوتية بترددات تتراوح بين 500 – 6 هرتز، تُسمع في الماء وعلى اليابسة.
ولكن وسيلة تواصلها الأساسية تعتمد على القلنسوة والحاجز الأنفي القابلين للنفخ.
وغالباً ما يُلاحظ تحريك الذكور لقلنسوتها المنتفخة وحاجزها الأنفي للأعلى والأسفل، ما يُنتج أصواتاً شبيهة بـ”الأزيز” و”الصفير”.
ويُستخدم هذا التواصل كعرض لجذب الإناث وكتهديد للذكور الأخرى.
غذاء الفقمة المقنعة
يعتمد النظام الغذائي للفقمة المقنعة بشكل أساسي على القشريات والكريل والأسماك المتنوعة.
كما أنها تتغذى أيضاً على الحبار ونجم البحر وبلح البحر، وتفضل هذه الفقمة سمك النهاش الأحمر بشكل خاص، وتستهلك منه ثلاثة أضعاف ما تستهلكه من الأنواع الأخرى.
ويتميز نظامها الغذائي بغناه بالدهون والأحماض الدهنية، حيث تتغذى الصغار بالقرب من الشاطئ على الحبار والقشريات بشكل أساسي.
وتنتقل الطاقة من الطحالب والعوالق النباتية المزدهرة في القطب الشمالي إلى الأحماض الدهنية، ثم إلى الحيوانات العاشبة ثم إلى المفترسات العليا كالفقمة.
حيث تخزن هذه الأحماض الدهنية في دهن الفقمة لاستخدامها كمصدر للطاقة خلال فترات التوقف عن الأكل في موسم تبديل الفراء والتكاثر في الصيف. [1]
المفترسات
تشمل الحيوانات المفترسة الطبيعية للفقمة المقنعة أسماك القرش والدببة القطبية والحيتان القاتلة.
وتعتبر الدببة القطبية من أبرز مفترسيها، حيث تتغذى بشكل أساسي على الفقمة المقنعة والفقمة الملتحية.
ولكنها تركز على صيد الفقمة المقنعة تحديداً خلال موسم تكاثرها على الجليد، حيث تكون أكثر وضوحاً وعرضة للهجوم.
تكاثر الفقمة المقنعة
خلال موسم التكاثر، الذي يمتد عادةً بين أبريل ويونيو وتبدل فرائها من يونيو إلى أغسطس.
يتنافس العديد من ذكور الفقمة المقنعة بقوة على الإناث الجاهزة للتزاوج.
حيث يستخدمون أكياسهم الأنفية المنتفخة في التهديد والدفع لإبعاد المنافسين عن منطقة تواجد الأنثى، التي يدافعون عنها فقط خلال فترة استعدادها للتزاوج.
ومن ثم يتزاوج الذكر الناجح معها في الماء قبل البحث عن أنثى أخرى.
وتلد الإناث صغيراً واحداً بين مارس وأبريل بعد فترة حمل تتراوح بين 240 – 250 يوماً.
ويتميز الجنين بتخلصه من الزغب داخل الرحم، وتولد بمعطف فرو رقيق غير زغبي، ما يجعل الصغير قادراً على الحركة والسباحة بسهولة عند الولادة. [2]
العناية بالصغار
تتميز الفقمة المقنعة بأقصر فترة رضاعة بين الثدييات، حيث تتراوح بين 5 – 12 يوماً فقط، وبمتوسط 4 أيام.
ويحتوي حليب الأم على نسبة دهون عالية جداً (60-70%)، مما يساعد الصغير على مضاعفة حجمه واكتساب حوالي 7 كجم يومياً خلال هذه الفترة القصيرة.
بينما تفقد الأم من 7 – 10 كجم يومياً، وتحمي الأم صغيرها خلال هذه الفترة القصيرة من المفترسات. بينما لا يشارك الذكر في هذه المهمة.
ويولد الصغار على الجليد بطبقة دهنية متطورة وبطول متر واحد ويزن 24 كجم، وبفراء أزرق رمادي يتغير بعد 14 شهراً.
وتنضج الإناث جنسياً بين 2 – 9 سنوات (غالباً في عمر 5 سنوات)، بينما ينضج الذكور بين 4 – 6 سنوات، لكنهم لا يتزاوجون إلا بعد ذلك بكثير.
في حين يبلغ متوسط عمر الفقمة المقنعة 35 عاماً، ويكون الذكور أقصر عمراً من الإناث.
حالة حفظ الفقمة المقنعة
بدأ اصطياد الفقمة المقنعة بأعداد كبيرة منذ القرن الثامن عشر، وقد أدى انتشار جلودها، وخاصة جلود صغارها، إلى انخفاض سريع في أعدادها.
وبعد الحرب العالمية الثانية، زاد صيدها، مما أثار المخاوف من تعرضها للخطر.
وفي عام 1958، تم تقديم قوانين، تلاها نظام الحصص في عام 1971.
وتشمل الجهود الأخيرة إبرام معاهدات واتفاقيات، وحظر الصيد في مناطق مثل خليج سانت لورانس، وحظر استيراد منتجات الفقمة.
وعلى الرغم من هذه التدابير، لا تزال أعداد الفقمة ذات القلنسوة في انخفاض لأسباب غير معروفة. [2]
الدور في النظام البيئي
تعتبر الفقمة المقنعة مضيفة للديدان الطفيلية، مثل ديدان القلب (Dipetalonema spirocauda)، التي غالباً ما تقصر أعمارها.
وهي أيضاً مفترسة للعديد من الكائنات البحرية كالأسماك والحبار والقشريات، بينما تعد هي نفسها فريسة لأسماك القرش والحيتان القاتلة والدببة القطبية.
تاريخياً، لعبت الفقمة المقنعة دوراً اقتصادياً مهماً لسكان جرينلاند وكندا كمصدر للغذاء والجلود والزيت والفراء، إلا أن الإفراط في استغلالها أثر سلباً على أعدادها.
وداعاً، أيها المخلوق الغريب
بعد هذه الرحلة الشيقة في عالم الفقمة المقنعة، نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بمعرفة المزيد عن هذه المخلوقات الفريدة.
ندعوكم لمشاركة آرائكم وتعليقاتكم في قسم التعليقات.