هل تتذكرون عندما كنا صغاراً، وننظر إلى السماء لنرى النسر أبيض الظهر “White-backed vulture” يحلق عالياً؟
كان هذا الطائر الجارح مصدر إلهام لنا، ورمزاً للحرية والقوة، لكن اليوم، هذا الطائر الجميل يواجه تهديدات وجودية خطيرة.
هيا بنا نستعيد هذه الذكريات الجميلة ونعمل معاً لحماية هذا الرمز العظيم، ونتعرف على قصة النسر أبيض الظهر الحزينة.
الاسم العلمي | Gyps africanus |
الأسماء الشائعة | النسر أبيض الظهر، النسر الأفريقي أبيض الظهر |
الفصيلة | البازية |
الموطن | قارة أفريقيا |
المواصفات الشكلية | يعتبر نسراً متوسط الحجم، حيث يتراوح طوله بين 78-98 سم |
السلوك | ينشط بالنهار، ويتميز بطابعه الاجتماعي القوي |
الغذاء | آكلات اللحوم |
الخصائص المميزة | تساهم أحماض معدته القوية في القضاء على البكتيريا والفيروسات الموجودة في الجيف |
حالة الحفظ | مهدد بالانقراض |
محتويات
موطن النسر أبيض الظهر
ينتمي النسر أبيض الظهر إلى نسور العالم القديم، وجنس القشعام و من رتبة الجوارح وفصيلة البازية.
ويسمى هذا النوع أحياناً باسم “النسر الإفريقي أبيض الظهر”، وذلك لتمييزه عن “النسر الهندي أبيض الظهر”، فقد كان يُعتقد في السابق أنهما نوعان قريبان.
وينتشر النسر أبيض الظهر على نطاق واسع في القارة الأفريقية، ممتداً من غرب أفريقيا.
بدءاً من السنغال وغامبيا ومالي، وصولاً إلى شرق القارة في إثيوبيا والصومال.
وثم جنوباً عبر شرق أفريقيا حتى يصل إلى موزمبيق وزيمبابوي وبوتسوانا وناميبيا وجنوب أفريقيا.
وعلى الرغم من أنه يعتبر أكثر أنواع النسور انتشاراً في القارة، حيث يغطي مداه مساحة تقدر بحوالي 24.3 مليون كيلومتر مربع.
إلا أنه يعاني من انخفاض حاد في أعداده خلال السنوات الأخيرة. [1]
البيئة
يعتبر النسر أبيض الظهر طائراً استوائياً يفضل العيش في بيئات متنوعة.
ففي غرب أفريقيا، يتخذ من الغابات الاستوائية الكثيفة ملجأ له، بينما يتواجد أيضاً في المناطق التي تكثر فيها أشجار الأكاسيا.
ومع ذلك، فإن بيئته المفضلة هي السافانا المفتوحة التي تزينها الأشجار المتناثرة، والتي توفر له المأوى والغذاء على حد سواء.
وهذه السافانا هي موطن للعديد من الثدييات الكبيرة التي تعتبر وجبة رئيسية لهذا الطائر الجارح، مما يجعلها بيئة مثالية لتلبية احتياجاته الغذائية. [2]
شكل النسر أبيض الظهر
- الحجم: يعتبر نسراً متوسط الحجم، حيث يتراوح وزنه بين 4.2-7.2 كجم، وطوله بين 78-98 سم، ويبلغ طول جناحيه بين 1.96-2.25 متر.
- الريش: يتميز بريش زغب على رأسه ورقبته، وأجنحة عريضة جداً وريش ذيل قصير. كما يمتلك ريش كثيف أبيض مميز على رقبته.
- لون الريش: يتباين لون ريش النسر البالغ بشكل واضح، حيث يكون ظهره أبيض اللون بينما يكون باقي جسمه داكن اللون. وأما الصغار فتكون داكنة اللون بشكل كامل.
لماذا النسر أصلع ولا يمتلك ريش في رأسه؟
يعد الرأس الأصلع للنسر أبيض الظهر تكيفاً بيولوجياً مثيراً للاهتمام، حيث تلعب دوراً حيوياً في مساعدته على البقاء على قيد الحياة في بيئاته المتنوعة.
فخلال الأيام الحارة، يساعد هذا الصلع على تنظيم درجة حرارة جسمه عبر تسهيل تبريد الدم وتقليل الحرارة الزائدة التي قد يتعرض لها. خاصة أثناء الطيران لمسافات طويلة أو التعرض لأشعة الشمس المباشرة.
وعلى العكس من ذلك، خلال الليالي الباردة، يساعد الصلع على تقليل فقدان الحرارة من الرأس، مما يحافظ على درجة حرارة الجسم ضمن النطاق الطبيعي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الريش عن الرأس يسهل على النسر الحفاظ على نظافة رأسه أثناء تناول الطعام. حيث يمنع تراكم بقايا الطعام والجراثيم التي قد تتسبب في العدوى.
وبالتالي، فإن الرأس الأصلع للنسر ليس مجرد سمة ظاهرية، بل هو نتيجة لتطور تكيفي يخدم وظائف حيوية تساهم في بقاء هذا الطائر الجارح. [2]
سلوك النسر أبيض الظهر
تتميز النسور بيضاء الظهر بطابعها الاجتماعي القوي، حيث تعتمد بشكل كبير على التعاون مع أفراد من نفس النوع لتحديد مصادر الغذاء.
فعند العثور على جثة، تقوم هذه النسور بالدوران في السماء لإرسال إشارات بصرية إلى باقي أفراد المجموعة، مما يجذبها إلى موقع الطعام.
وبفضل هذا التعاون، عادةً ما تكون النسور بيضاء الظهر أول الواصلين إلى الجثث. مما يمنحها الأفضلية في التغذية مقارنة بأنواع النسور الأخرى مثل النسر المصري.
وبعد الانتهاء من التغذية، غالباً ما تسترخي هذه النسور مع فرد أجنحتها ووجهها باتجاه الشمس. في مشهد يدل على الشبع التام الذي يجعلها عاجزة عن الطيران.
وفي الليل، يبيت النسر أبيض الظهر في مجموعات تتألف من 10 – 12 نسراً، فوق الأشجار العالية. [1]
التواصل
على الرغم من أن النسور بيضاء الظهر عادةً ما تكون طيوراً صامتة، إلا أنها قد تفاجئ المراقب بقدرتها على إصدار أصوات غير متوقعة.
فعندما يقترب النسر من جثة، فإنه يصدر أصواتاً تشبه صرير الخنزير، وكأنها إشارة إلى أفراد مجموعته أو تعبيراً عن حماسه للطعام.
وهذه الأصوات، التي قد تكون غير مألوفة بالنسبة للكثيرين، تلعب دوراً هاماً في التواصل بين النسور وتنسيق سلوكها أثناء التغذية.
غذاء النسر أبيض الظهر
تعتبر النسور بيضاء الظهر من أبرز الزبالين في بيئاتها، حيث تتغذى بشكل أساسي على جيف الحيوانات العاشبة الكبيرة المتوفرة في السافانا المشجرة.
وتشمل قائمة طعامها الخنازير البرية و حمير الزرد والغزلان والنعام وحتى الماشية. ويمكن أن يتجمع ما يصل إلى مائة طائر لتناول وجبة وتنظيف جثة كبيرة في حوالي ثلاث دقائق.
ونظراً لبنية مناقيرها المتوسطة الحجم وغير المتخصصة في تمزيق الجلد القاسي. تقتصر هذه النسور على تناول الأنسجة الرخوة كالأحشاء، مستخدمة تقنية السحب للحصول على غذائها. [1]
الدور في النظام البيئي
يلعب النسر أبيض الظهر دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن البيئي، حيث يتغذى على الجيف فقط.
ومن خلال هذه العادة الغذائية، يقوم النسر بتنظيف البيئة من الجثث المتحللة، مما يمنع انتشار الأمراض المعدية التي قد تهدد صحة الإنسان والحيوان.
كما تساهم أحماض معدته القوية في القضاء على البكتيريا والفيروسات الضارة الموجودة في الجيف.
ولا يوجد في الطبيعة أي حيوان يفترس النسور بيضاء الظهر سوى الإنسان، وهذا النوع من النسور لا يتفرع إلى سلالات فرعية. [2]
تكاثر النسر أبيض الظهر
تتبع النسور بيضاء الظهر نظام تزاوج أحادي، حيث يرتبط الذكر والأنثى بعلاقة زوجية مستقرة طوال حياتهما تقريباً.
وتتكاثر مرة واحدة في السنة خلال موسم الجفاف، وتبني النسور أعشاشها في الأشجار.
وعادةً ما تختار الأشجار الطويلة على طول الموائل النهرية وتفضل بشدة أنواع أشجار الأكاسيا.
وتكون الأعشاش كبيرة، يبلغ قطرها حوالي متر واحد، وتتكون من أعواد كبيرة ومبطنة بأوراق الشجر والأعشاب. [1]
العناية بالصغار
تضع الأنثى بيضة واحدة فقط، ويتناوب كلا الوالدين على احتضان البيضة لفترة طويلة تصل لقرابة الشهرين.
بعد ذلك، يفقس البيض ويخرج الصغير من البيضة، ويتناوب كلا الوالدين في إطعام الصغير.
ويبقى الصغير في العش قرابة 4-5 أشهر، ويقضي الوالدين عدة أشهر أخرى في رعاية صغارهم بعد مغادرة العش.
حالة حفظ النسر أبيض الظهر
عانى النسر أبيض الظهر من انحدار سريع مثل العديد من النسور الأفريقية. ففي عام 1988، تم تصنيفه كنوع أقل إثارة للقلق بسبب مداه الكبير وعدد سكانه.
ومع ذلك، في عام 2007، تم إعادة تقييمه كنوع مهدد بالانقراض بعد ملاحظة بدايات الانحدار الكبير.
وبحلول عام 2012، أشارت التقديرات إلى أن النسر سينخفض بنسبة 50٪ خلال الأجيال الثلاثة القادمة، مما أدى إلى إدراجه كنوع مهدد بالانقراض.
وفي أكتوبر 2015، تمت ترقيته إلى مهدد بالانقراض بشكل حرج بسبب الانحدار الكبير الذي يعرضه لخطر الانقراض الشديد.
ويقدر الباحثون أن حوالي 270 ألف نسر فقط من النسور بيضاء الظهر لا تزال في البرية. [1]
أسباب انخفاض أعداد النسور
السبب الرئيسي لانخفاض أعداد النسور هو فقدان الموائل والاضطرابات البشرية، حيث تسببت الحرائق في تدمير الأشجار المستخدمة كموائل للتكاثر.
وكان للإنسان تأثير كبير من خلال قطع الأشجار وتحويل الأراضي إلى مزارع، وإنشاء خطوط الكهرباء التي تسبب في صعق النسور بالكهرباء.
وفي كينيا، أدى استخدام مبيد “فورادان” السام إلى وفاة العديد من النسور. كما يتم تسميم النسور بشكل غير مباشر عندما يضيف الرعاة السموم إلى مواشيهم لقتل الضباع والأسود، مما يؤدي إلى ابتلاع النسور للسم عند تناول جثث الحيوانات الميتة.
ويحدث هذا التسمم غالباً خارج المناطق المحمية ولكنه يظل عاملاً رئيسياً في انخفاض أعداد النسور.
وقد أشارت دراسات حديثة إلى وجود عوامل جديدة محتملة تسهم في هذا الانحدار. ومن بينها، أن النسور تُستخدم في جنوب إفريقيا على نطاق واسع في الطب التقليدي.
مما يشكل تهديداً خطيراً لبقائها، إذ تشير الدراسات إلى أن استمرار هذه الممارسة قد يؤدي إلى انقراضها المحلي.
تسميم النسور من أجل صيد الفيلة
في 20 يونيو 2019، عُثر في شمال بوتسوانا على جثث 537 نسراً من أنواع مختلفة، من بينهم 468 نسراً أبيض الظهر.
ويُشتبه في أن هذه النسور ماتت بعد تناول جثث ثلاثة أفيال أفريقية مسمومة من قبل الصيادين لتجنب اكتشافها من قبل الطيور.
والتي تساعد الحراس على تتبع نشاط الصيد الجائر، من خلال التحليق فوق الأماكن التي توجد بها حيوانات ميتة.
وكان معظم النسور من الآباء الجدد، مما ترك صغارهم أيتاماً وغير مجهزين للبقاء على قيد الحياة.
ونظراً لأن النسور بطيئة التكاثر، فإن فقدان أكثر من 400 نسر في أسبوع واحد يعد ضربة مدمرة للأنواع.
جهود حماية النسر أبيض الظهر
تسعى العديد من المنظمات جاهدة لحماية النسر أبيض الظهر من الانقراض من خلال مبادرات متنوعة.
وتشمل هذه المبادرات توفير حماية أكبر للمواشي لمنع التسمم العرضي للنسور، ومراقبة مستمرة لتحديد المناطق الأكثر تضرراً.
بالإضافة إلى مشاركة نشطة في برنامج “إنقاذ الحيوانات من الانقراض” الذي يهدف إلى إعادة تأهيل النسور وإطلاقها في البرية وتوعية المجتمع بأهميتها.
وداعاً، أيها الطائر القوي
هل تتخيل سماء أفريقيا بدون النسر أبيض الظهر؟
هذا الطائر الجارح المهيب، الذي كان يعتبر رمزاً للقوة والشجاعة، يواجه اليوم خطر الانقراض.
فبعد أن كان يسيطر على سماء القارة بمنقاره الحاد وأجنحته الواسعة، أصبح يصارع من أجل البقاء بسبب الأنشطة البشرية المتعددة.
إن فقدان النسر أبيض الظهر يعني فقدان جزء من تراثنا الطبيعي، وتقويض التوازن البيئي الذي يعتمد عليه العديد من الكائنات الحية.
ويتطلب الحفاظ على هذا الطائر الجارح جهوداً مشتركة من الجميع، من أجل ضمان بقائه للأجيال القادمة.
ننصحك بالتعرف على “العقاب الرخماء (النسر الأصلع) كل ماتود معرفته حول هذا الطائر بالصور“