في المياه الجليدية القاسية المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية، يتربّع مفترس شرس على قمة السلسلة الغذائية إنها الفقمة النمرية “Leopard seal”.
هذا الكائن البحري القوي يتميز بمهارات صيد استثنائية وشخصية جريئة تجعله بحق “النمر” في عالم البحار الجنوبية.
في هذا المقال، سنغوص في أعماق حياة هذه الفقمة، ونستكشف سلوكها وصفاتها المميزة، ونسلط الضوء على دورها الحيوي في النظام البيئي القطبي.
الاسم العلمي | Hydrurga leptonyx |
الأسماء الشائعة | نمر البحر، الفقمة النّمريَّة، فقمة النمر |
الفصيلة | الفقمات الحقيقية |
الموطن | القارة القطبية الجنوبية |
حالة الحفظ | أقل إثارة للقلق |
محتويات
موطن الفقمة النمرية
تنتمي الفقمة النمرية إلى فصيلة الفقمات الحقيقية ورتبة زعنفيات الأقدام، وهي ثاني أكبر أنواع الفقمات في القارة القطبية الجنوبية (بعد فقمة الفيل الجنوبية).
وتعيش فقمات النمر بشكل أساسي في المناطق القطبية المغطاة بالجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية.
ورغم وجود أعداد قليلة منها على مدار العام في الجزر القريبة من القارة، إلا أن انتشارها يزداد في هذه المناطق خلال فصل الشتاء.
وقد تم تسجيل مشاهدات لفقمة النمر المتشردة على سواحل أستراليا ونيوزيلندا وأمريكا الجنوبية، وجنوب أفريقيا. [2]
البيئة
تعيش الفقمة النمرية بشكل أساسي على الجليد المحيط بالقارة القطبية الجنوبية، وقد تُشاهد أيضاً على الجزر القريبة إذا توفرت مساحة جليدية كافية.
وتتميز هذه الفقمة برشاقة عالية في الماء، حيث تقضي معظم وقتها وتتغذى على الكائنات التي تعيش في المياه السطحية للمحيط، لذا فهي توجد بشكل رئيسي في هذه المناطق المائية.
شكل الفقمة النمرية
- تتميز بجسم طويل وعضلي يختلف عن الفقمات الأخرى، وهي بذلك تعادل تقريباً طول حيوان الفظ لكنها أقل منه في الوزن بأكثر من النصف.
- يتراوح طول البالغين بين 2.4 – 3.5 أمتار، ويتراوح وزنهم بين 200 – 600 كيلوغرام.
- الإناث أكبر من الذكور بنسبة تصل إلى 50%.
- يتميز الفراء بمزيج من اللون الفضي إلى الرمادي الداكن مع نمط “نمر” مرقط مميز على الظهر، ولون أفتح من الأبيض إلى الرمادي الفاتح على البطن.
- تُعرف فقمات النمر بفكين قويين وضخمين، مما يجعلها من أفضل المفترسات في بيئتها.
- تتشابك أضراسها بطريقة تُمكنها من تصفية الكريل من الماء، على غرار الفقمة آكلة السلطعون.
- كباقي الفقمات “الحقيقية”، لا تمتلك الفقمة النمرية آذاناً خارجية، ولكن لديها قناة أذن داخلية تؤدي إلى فتحة خارجية.
- سمعها في الهواء يشبه سمع الإنسان، تستخدم آذانها بجانب شواربها لتتبع فرائسها تحت الماء.
سلوك الفقمة النمرية
تعتبر الفقمة النمرية حيواناً منعزلاً خارج موسم التزاوج والرضاعة، حيث تعيش بشكل رئيسي في المياه.
ومع اقتراب موسم التزاوج والولادة، تزداد كثافة أعدادها على الجليد وحوله، حيث تلد الأمهات وترضع صغارها.
ويقتصر موطنها بشكل كبير على الجليد خلال موسم التكاثر، كما تتواجد بأعداد قليلة على مدار العام في الجزر القريبة من القطب الجنوبي.
والتي تشهد زيادة كبيرة في أعدادها خلال فصل الشتاء نتيجة لهجرة الفقمات. [2]
فقمة النمر سباحة رشيقة
تتميز فقمة النمر برأس وزعانف أمامية كبيرة مقارنة بأنواع الفقمات الأخرى.
حيث تستخدم زعانفها الأمامية الكبيرة للتوجيه برشاقة عالية أثناء الصيد، بطريقة مشابهة لأسود البحر.
والإناث أكبر حجماً من الذكور، وتغطي أجسامها طبقة سميكة من الدهن تساعدها على الدفء في مياه القطب الجنوبي الباردة.
كما تساعد هذه الطبقة في تبسيط أجسامها لتصبح أكثر ديناميكية، وهو أمر ضروري عند صيد الفرائس الصغيرة كالبطاريق.
ويستخدم العلماء قياسات سمك الدهن والوزن والطول لتقييم صحة وأعداد هذه الفقمات وحساب احتياجاتها من الطاقة والغذاء.
التواصل
خلال فصل الصيف، تصدر فقمات النمر الذكور أصواتاً عالية جداً تحت الماء، تصل قوتها إلى 153-177 ديسيبل.
وذلك ضمن عروض صوتية تستمر لساعات، وأثناء “الغناء”، تتدلى الفقمة رأساً على عقب وتتأرجح، مع ثني الظهر وانتفاخ منطقة الصدر.
وقد حدد العلماء خمسة أصوات مميزة تصدرها الذكور، يعتقد أنها جزء من عرض صوتي بعيد المدى يُستخدم لأغراض إقليمية أو لجذب الإناث.
ويتزامن هذا السلوك الصوتي مع موسم التكاثر بين نوفمبر والأسبوع الأول من يناير.
بينما تصدر الإناث في الأسر أصواتاً عند ارتفاع هرمونات التكاثر لديها.
كما تصدر الإناث في البرية نداءات لجذب انتباه صغارها بعد عودتها من البحث عن الطعام.
غذاء الفقمة النمرية
تتغذى الفقمة النمرية على مجموعة متنوعة من الكائنات البحرية؛ حيث تتناول صغارها الكريل والحبار والأسماك عادةً.
بينما تتحول الفقمة البالغة إلى افتراس فرائس أكبر حجماً، مثل أنواع مختلفة من طيور البطريق.
وفي حالات أقل، أنواع أخرى من الفقمات كفقمة ويديل و الفقمة آكلة السرطان وصغار فقمة الفيل الجنوبية.
كما يُعرف عنها أيضاً افتراس صغار فقمة الفراء. [1]
طريقة الصيد
تصطاد الفقمة النمرية البطاريق في المياه القريبة من حواف الجليد، حيث تنتظر مغمورة بالكامل تقريباً لحظة دخول الطيور إلى المحيط.
ومن ثم تمسك بأقدام البطريق وتهزه بقوة وتضرب جسمه على سطح الماء حتى الموت.
وخلافاً للاعتقاد السابق، لا تمزق فقمة النمر فريستها قبل التهامها، بل تضربها من جانب لآخر وتمزقها إلى قطع أصغر لعدم امتلاكها الأسنان القادرة على تقطيعها بشكل منظم.
بينما تتغذى على الكريل عن طريق شفطه وتصفيته من خلال أسنانها.
وهذه القدرة على التكيّف والتنويع في أساليب التغذية قد تكون السبب في نجاحها في النظام البيئي القطبي الجنوبي القاسي.
المفترسات
تعتبر الفقمة النمرية من أبرز المفترسات في النظام البيئي للقارة القطبية الجنوبية.
حيث تحتل قمة السلسلة الغذائية، ولا يُعرف سوى مفترس طبيعي واحد لها هو الحوت القاتل، إلا أن افتراسها من قِبل الحيتان القاتلة يعتبر نادراً.
تكاثر الفقمة النمرية
يحدث تزاوج فقمة النمر من ديسمبر إلى يناير، مباشرةً بعد فطام الصغار، حيث يتزاوج الذكور مع عدة إناث خلال موسم التزاوج.
وتلعب الأصوات دوراً هاماً في هذه العملية، إذ يكثر إصدارها من الذكور في هذا الوقت.
وعادةً ما يتم التزاوج في الماء، ثم يترك الذكر الأنثى التي تتولى رعاية الصغير الذي يولد بعد فترة حمل متوسطة تبلغ 274 يوماً.
وتحفر الأنثى حفرة دائرية في الجليد لتكون مأوى للصغير الذي يولد خلال فصل الصيف على كتل الجليد العائمة في القطب الجنوبي. [1]
العناية بالصغار
ترضع إناث فقمة النمر صغارها لمدة أربعة أسابيع تقريباً بعد الولادة، وبعد هذه الفترة يفطم الصغار وتبدأ الإناث بالتزاوج مرة أخرى.
وتتجمع أعداد كبيرة نسبياً من صغار فقمة النمر حول الجزر القريبة من القارة القطبية الجنوبية.
وتصل الإناث إلى النضج الجنسي بين سن 3 – 7 سنوات، بينما يصل الذكور إلى هذا النضج في سن 6 – 7 سنوات تقريباً.
وقد سُجل أن الفقمة النمرية تعيش حتى 30 عاماً في البرية، مع توقع متوسط عمر يبلغ 26 عاماً.
حالة حفظ الفقمة النمرية
تصنف القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الفقمة النمرية ضمن الأنواع “الأقل إثارة للقلق”.
إلا أن انحسار الجليد في القارة القطبية الجنوبية يحتمل أن يؤثر سلباً على هذه الفقمة في المستقبل. [2]
الدور في النظام البيئي
باعتبارها من كبار المفترسات في بيئتها، تؤدي فقمة النمر دوراً بيئياً حيوياً في النظام القطبي الجنوبي القاسي من خلال افتراسها للحيوانات الكبيرة.
ورغم ندرة التفاعلات المباشرة بين البشر وهذه الفقمات، إلا أنها تُستخدم في الأبحاث العلمية والأغراض التعليمية.
أنواع الفقمات في القطب الجنوبي
تضم قبيلة فقمة لوبودونتيني، المعروفة بفقمة القطب الجنوبي، أربعة أنواع ضمن أربعة أجناس، وهي: الفقمة آكلة السرطان، والفقمة النمرية، وفقمة ويديل، وفقمة روس، وتنتشر جميعها حول القارة القطبية الجنوبية.
وتشمل هذه المجموعة أكثر الفقمات وفرة في العالم (الفقمة آكلة السرطان) والفقمة الوحيدة التي تعتمد بشكل أساسي على الثدييات في غذائها (الفقمة النمرية).
بينما تفضل فقمة ويديل الجليد الثابت، تعيش الأنواع الأخرى على الجليد البحري وحوله.
وعلى الرغم من وفرة هذه المجموعة، إلا أن نطاق انتشارها البعيد وبيئتها التي يصعب الوصول إليها يجعلانها من أقل الفقمات دراسة في العالم.
وبعد أن تعرفنا على الفقمة النمرية، سنتناول الآن الأنواع الأخرى من الفقمات التي تتشارك معها هذه البيئة القاسية، وهي: [3]
1- الفقمة آكلة السرطان
تُعرف الفقمة آكلة السرطان (Lobodon carcinophaga)، أو الفقمة آكلة الكريل، بأنها فقمة حقيقية متوسطة الحجم (طولها يزيد عن مترين).
وتكون نحيلة وشاحبة اللون، ذات فراء بني أو فضي مع لون أغمق حول الزعانف، وتنتشر حول ساحل القارة القطبية الجنوبية.
وتعد هذه الفقمة أكثر أنواع الفقمة وفرة في العالم، حيث يقدر عددها بما لا يقل عن 7 ملايين وقد يصل إلى 75 مليون فرد.
ويعود هذا النجاح إلى نظامها الغذائي المتخصص في افتراس كريل القطب الجنوبي الوفير، والذي تكيفت معه بشكل فريد بفضل بنية أسنانها الشبيهة بالغربال.
وعلى الرغم من اسمها، فإنها لا تأكل السرطان، بل الكريل بشكل أساسي، كما تعد صغارها فريسة مهمة لفقمة النمر.
2- فقمة روس
فقمة روس (Ommatophoca rossii) هي فقمة حقيقية فريدة من نوعها، وتقتصر حياتها بالكامل على كتل الجليد في القارة القطبية الجنوبية.
وتم اكتشافها و وصفها لأول مرة عام 1841 خلال بعثة روس، وتعد الأصغر والأقل وفرة وشهرة بين فقمات القطب الجنوبي.
وتتميز هذه الفقمة بعيونها الكبيرة بشكل ملحوظ (ومن هنا جاء اسمها العلمي الذي يعني “الفقمة ذات العيون”) وأصواتها المعقدة الشبيهة بصفارات الإنذار.
بالإضافة إلى رأسها القصير وخطمها العريض وقصر فراءها مقارنةً بباقي الفقمات، ويتراوح طولها بين 1.68 – 2.09 متراً، وتزن بين 129 – 216 كجم.
وتتغذى فقمة روس بشكل أساسي على الحبار والأسماك، خاصةً سمكة الفضة القطبية الجنوبية، في المنطقة السطحية من الماء.
3- فقمة ويديل
فقمة ويديل (Leptonychotes weddellii) هي فقمة حقيقية كبيرة و وفيرة نسبياً، تنتشر في المناطق القطبية المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية.
وقد اكتُشفت وسُمّيت في عشرينيات القرن التاسع عشر خلال الرحلات في بحر ويديل.
ويعتبر هذا النوع من أكثر الفقمات دراسةً نظراً لوجوده بالقرب من القواعد القطبية وسهولة الوصول إليه، حيث يقدر عددها بحوالي 800 ألف فقمة.
ويبلغ طول فقمة ويديل ما بين 2.5 – 3.5 أمتار، ويتراوح وزنها بين 400 – 600 كجم، وتعد من أهم المفترسات في القارة القطبية الجنوبية.
حيث تتغذى على مجموعة متنوعة من الأسماك والروبيان القاعي ورأسيات الأرجل والقشريات.
وداعاً، أيها المخلوق المهيب
بعد هذه النظرة الشاملة على حياة الفقمة النمرية، نأمل أن تكونوا قد تعرفتم على هذا المفترس القوي في القطب الجنوبي.
ندعوكم لمشاركة آرائكم وتعليقاتكم في قسم التعليقات.